-A +A
عبدالرحمن العكيمي
في زمن الربيع العربي وزمن الموت المسكوب في الطرقات؛ الموت الذي ما انفك يقدم قانيا في ربوع الشام وفي بغداد وفي فلسطين.. في زمن الهزائم والفوضى والانكسارات والخيبات.. في زمن الربيع الأكثر غرابة، حيث الانتصارات المؤقتة التي أطاحت بالأنظمة من جهة، وصنعت الفوضى وأنتجت ديكتاتورية جديدة من جهة أخرى، واليوم بعد أن مضى أكثر من سنتين على اندلاع ثورات هذا الربيع لا أحد يستطيع أن يتنبأ أو يتكهن أو يستشرف أو يجيد قراءة مستقبل الشارع العربي في ظل الكثير من الضبابية والمزيد من التناقضات، فما كان ثابتا بالأمس صار متحولا في ظرف أسابيع قلائل، وما كان ساكنا طيلة سنوات طوال أضحى في زمن الربيع العربي متحركا ثائرا دون ارتهان لتعاليم النظم القمعية، ولا نعلم إلى أي مدى ينتهي الحال بالواقع العربي وكيف ستؤول إليه الأمور؟ فما يحدث مهول جدا ويفضي إلى نهايات مفتوحة على احتمالات عديدة، هذا ما تقوله لنا إفرازات هذا الذي يسمى بالربيع، فهل له من اسمه نصيب يا ترى؟. إننا ونحن نراقب ونعيش هذه المرحلة بكل تجلياتها وأحداثها المتناهية بالدهشة والغموض، كأننا نقرأ أو نشاهد عملا سرديا متسارع الأحداث ومثقلا بالشخوص الأبطال والمهمشين، وحتى أولئك الذين يأتون من الزوايا المعتمة في المجتمع ويمضون إلى صدارة المشهد عندما يقدمون تضحياتهم يمضي العمل إلى إسقاط وتهشيم الرموز التي أمضت طويلا في عالم التحنيط، فتتشظى معها النظم وما ينساق خلفها من رموز، لكن الكاتب أو الروائي يضعنا نمضي معه أحداث العمل لحظة بلحظة ودون انفكاك، ويتركنا أمام نهايات مفتوحة على احتمالات كثيرة، فالعمل يتمدد ويتفلت من كاتبه الذي كان يريد أن يمضي معه في خطة متوازنة يختتم بها العمل، لكن أحداث الرواية فرضت عليه شكلا جديدا ونهاية لم تتضح ملامحها إلى أن جعل العمل مفتوحا؛ لأن الرواية انتصرت على الروائي في تحد جديد.. لذلك جاءت رواية الربيع العربي ضمن الروايات ذات النهايات المفتوحة، ويأتي المتلقي متفاعلا مع هذه الرواية المتسارعة الأحداث والمثخنة بالتحولات والمفاجآت لتقف على مثل هذه النهايات التي تنجب بداية أسئلة جديدة في واقع جديد يتناهى في ضبابيته، وهذه الأسئلة هي التي تجعل المتلقي العربي مشاركا في رسم أشكال متعددة للرواية الربيعية التكوين، وهو بذلك يتحول من مستهلك للعمل السردي إلى منتج له. ونتساءل أخيرا: يا ترى إلى أي الاحتمالات ستمضي بنا تلك النهايات؟، لكن لأننا لن نستطيع تقديم إجابة في هذا الأوان، فلن يكون أمامنا سوى الانتظار والذي لن يدوم طويلا.
ورقة أخيرة:

الريح لا تنحني إلا لشجرة خرافية الطلع
وأنثى مجازية الفصول
ترتل ابتهالات الغياب